قال الله تعالى فيه: (عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم) وقال تعالى: (وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين) قيل: من فضله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن الله تعالى أعطاه اسمين من أسمائه فقال: (بالمؤمنين رؤوف رحيم).
روي أن إعرابياً جاءه يطلب منه شيئاً فأعطاه ثم قال: أحسنت إليك قال الأعرابي: لا ولا أجملت فغضب المسلمون وقاموا إليه فأشار إليهم أن كفوا ثم قام ودخل منزله وأرسل إليه وزاده شيئاً ثم قال: أحسنت إليك قال: نعم فجزاك الله من أهل وعشيرة خيراً فقال له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): إنك قلت ما قلت وفي نفس أصحابي من ذلك شيء فإن أحببت فقل بين أيديهم ما قلت بين يدي حتى يذهب ما في صدورهم عليك قال: نعم فلما كان الغد أو العشي جاء فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): إن هذا الأعرابي قال ما قال فزدناه فزعم أنه رضي أكذلك قال: نعم فجزاك الله من أهل وعشيرة خيراً فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): مثلي ومثل هذا مثل رجل له ناقة شردت عليه فاتبعها الناس فلم يزيدوها إلا نفوراً فناداهم صاحبها خلوا بيني وبين ناقتي فإني ارفق بها منكم وأعلم فتوجه لها بين يديها فأخذ لها من قمام الأرض فردها حتى جاءت واستناخت وشد عليها رحلها واستوى عليها وإني لو تركتكم حيث قال الرجل ما قال فقتلتموه دخل النار.
وروي عن العلاء بن الحضرمي أنه قال: إن لي أهل بيت أحسن إليهم فيسيئون وأصلهم فيقطعون فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك … الآية، وروي أن أعرابياً من بني سليم يتبدى في البرية فإذا هو بضب قد نفر من بين يديه فسعى وراء ه حتى اصطاده ثم جعله في كمه وأقبل يزدلف نحو النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فلما أن وقف بإزائه ناداه: يا محمد يا محمد أنت الساحر الكذاب الذي ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء من ذي لهجة هو أكذب منك أنت الذي تزعم أن لك في هذه الخضراء إلهاً بعث بك إلى الأسود والأبيض، واللات والعزى لولا أني أخاف أن قومي يسمونني العجول لضربتك بسيفي هذا ضربة أقتلك بها فأسود بك الأولين والآخرين فوثب إليه عمر بن الخطاب ليبطش به فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): اجلس يا أبا حفص فقد كاد الحليم أن يكون نبياً.
ثم التفت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الأعرابي فقال له: يا أخا بني سليم هكذا تفعل العرب يتهجمون علينا في مجالسنا يجبهوننا بالكلام الغليظ يا أعرابي والذي بعثني بالحق نبياً إن من ضرَّ بي في دار الدنيا هو غداً في النار يتلظى … وروي عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: لا يبلغني أحد منكم عن أحد من أصحابي شيئاً فإني أحب أن أخرج إليكم سليم الصدر.
خلقه (صلّى الله عليه وآله وسلم) في الوفاء وحسن العهد وصلة الرحم
روي عن أنس قال: كان النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) إذا أُتي بهدية قال: اذهبوا بها إلى بيت فلانة فإنها كانت صديقة لخديجة إنها كانت تحب خديجة.
وعن عائشة قالت: ما غرت على امرأة ما غرت على خديجة لما كنت أسمعه (صلّى الله عليه وآله وسلم) يذكرها وإنه كان ليذبح الشاة فيهديها إلى خلائلها. وعن أبي قتادة قال: وفد وفد للنجاشي فقام النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) يخدمهم فقال له أصحابه: نكفيك فقال (صلّى الله عليه وآله وسلم): إنهم كانوا لأصحابنا مكرمين وإني أحب أن أكافئهم. ولما جيء بأخته من الرضاعة (شيماء) في سبايا هوازن وتعرفت له بسط لها رداءه وقال لها: إن أحببت أقمت عندي مكرمة محببة أو متعتك ورجعت إلى قومك فاختارت قومها فمتعها.
قال أبو الطفيل رأيت النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) وأنا غلام إذ أقبلت امرأة حتى دنت منه فبسط لها رداءه فجلست عليه فقلت: من هذه؟ قالوا: أُمه التي أرضعته.وقال أبو عبد الله (عليه السلام): إن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) أتته أخت له من الرضاعة فلما أن نظر إليها سر بها وبسط رداءه لها فأجلسها عليه ثم أقبل يحدثها ويضحك في وجهها ثم قامت فذهبت ثم جاء أخوها فلم يصنع به ما صنع بها فقيل: يا رسول الله صنعت بأخته ما لم تصنع به وهو رجل فقال: لأنها كانت أبر بأبيها منه.
عن عمرو بن السائب قال: إن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) كان جالساً يوماً فأقبل أبوه من الرضاعة فوضع له بعض ثوبه فقعد عليه ثم أقبلت أمه فوضع لها شق ثوبه من جانبه الآخر فجلست عليه ثم أقبل أخوه من الرضاعة فقام رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) فأجلسه بين يديه وكان (صلّى الله عليه وآله وسلم) يبعث إلى ثويبة مولاة أبي لهب مرضعته بصلة وكسوة فلما ماتت سأل من بقي من قرابتها فقيل لا أحد.وفي حديث خديجة (عليها السلام) أنها قالت له: أبشر فوالله لا يخزيك الله أبداً إنك لتصل الرحم وتحمل الكل وتكسي المعدوم وتقري الضيف وتعين على النوائب.
وأما تواضعه (صلى الله عليه وآله وسلم) فيدل على علو منصبه ورفعة رتبته
فكان أشد الناس تواضعاً وحسبك أنه خُيّر بين أن يكون عبداً رسولاً متواضعاً أو ملكاً رسولاً ولا ينقصه مما عند ربه شيئاً فأختار أن يكون عبداً متواضعاً رسولاً.
قال أنس: لم يكن شخص أحب إليهم من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وكانوا إذا رأوه لم يقوموا إليه لما يعرفون من كراهيته وكان (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا دخل منزلاً قعد في أدنى المجلس حين يدخل وكان يجلس على الأرض ويأكل على الأرض ويقول: إنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد وأجلس كما يجلس العبد.
قال الصادق (عليه السلام): ما أكل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) متكئاً منذ بعثه الله عز وجل نبياً حتى قبضه الله إليه متواضعاً لله عز وجل.
عنه (عليه السلام): كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) يحب الركوب على الحمار موكفاً والأكل على الحضيض مع العبيد ومناولة السائل بيديه وكان يركب الحمار ويردف خلفه عبده أو غيره ويركب ما أمكنه من فرس أو بغلة أو حمار. وكان يوم بني قريظة على حمار مخطوم بحبل من ليف عليه أكاف من ليف.وعن أبي جعفر (عليه السلام): قال خرج رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) يريد حاجة فإذا با لفضل بن العباس فقال: احملوا هذا الغلام خلفي قال: فاعتنق رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) بيده من خلفه على الغلام ثم قال: يا غلام خف الله تجده أمامك يا غلام خف الله يكفك ما سواه.
روي أنه أردف أسامة في حجة الوداع حين دفع من الموقف وأردف الفضل لما دفع من المشعر.
وقال أهل السير: وكان في بيته في مهنة أهله ويقطع اللحم ويجلس على الطعام محقراً ولم يتجشأ قط يحلب شاته ويرقع ثوبه ويخصف نعله ويخدم نفسه ويقم البيت ويعقل البعير ويعلف ناضحه ويطحن مع الخادم ويعجن معها ويحمل بضاعته من السوق ويضع طهوره بالليل بيده ويجالس الفقراء ويؤاكل المساكين ويناولهم بيده.
وأما عدله وأمانته وعفته وصدق لهجته (صلّى الله عليه وآله وسلم)
فهو من هذه الخصال بمكان اعترف له بذلك محادوه وأعداؤه فكان يسمى قبل نبوته الأمين ويودعون عنده الودائع.
فروي أنه (صلّى الله عليه وآله وسلم) لما أراد الهجرة خلف علياً (عليه السلام) لقضاء ديونه ورد الودائع التي كانت عنده ولما اختلفت قريش عند بناء الكعبة في من يضع الحجر حكموا أول داخل عليهم فإذا بالنبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) داخل وذلك قبل نبوته فقالوا: هذا محمد هذا الأمين قد رضينا به.
عن الربيع بن خثيم قال: كان يتحاكم إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) في الجاهلية قبل الإسلام وفي قصة دار الندوة واجتماع قريش وإبليس في تدبير قتل رسول الله قال أبو جهل في كلام له: حتى نشأ فينا محمد بن عبد الله فكنا نسميه الأمين لصلاحه وسكونه وصدق لهجته حتى إذا بلغ ما بلغ وأكرمناه ادعى إني رسول الله.وروي أن أبا جهل قال للنبي (صلّى الله عليه وآله وسلم): إنا لا نكذبك ولكن نكذب بما جئت به فنزلت: (فإنهم لا يكذبونك…).
وقيل: إن الأخنس بن شريق لقي أبا جهل يوم بدر فقال له: يا أبا الحكم ليس هنا غيري وغيرك يسمع كلامنا تخبرني عن محمد صادق أم كاذب؟ فقال أبو جهل: والله إن محمداً لصادق وما كذب محمد قط.
سأل هرقل عنه أبا سفيان فقال: هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قال: لا.
وقال (صلّى الله عليه وآله وسلم) لخويصرة في كلام له عند تقسيم غنائم حنين: ويلك إذا لم يكن العدل عندي فعند من يكون.